حينما بدأت في موسوعتي عن جدة القديمة لم أكن أدرك أنني سوف افتح فصلا خاصاً عن سيول جدة في موسوعتي وكيف عالج حكام وأمراء تلك العصور، السيول التي كانت تجتاح جدة قديماً ، أي أن السيول في جدة لم تكن وليدة الظروف المناخية الجديدة وهذا يعني أن السيول كانت تجتاح المدينة منذ القدم حسب الدورة الزمنية لكل دوره فلكية وقد أدرك ذلك من قبل حكام وأمراء عصور قد مضت في كيفية معالجة السيول التي كانت تجتاح المدينة .
فقد عمدت الدولة الفاطمية في القرن الرابع الهجري
في فترة ضعف الخلافة العباسية في حفر الخندق وبناء الصهاريج حول المدينة وقد كان ذلك أسلوب فارسي في حماية المدينة من أخطار السيول والسطو على المدينة والذي أشاروا التجار الفرس بجدة للفاطميين بذلك وهو أسلوب فارسي معروف ومن آثاره ضف شارع الذهب بارتفاعه الطبيعي في جهته الشرقية وقد أكدتها الدراسات الجيولوجية في زمن الباحث الكبير الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري ، فقد كانت المدينة القديمة مرتفعه عن سطح البحر ، وقد ذكر ابن مجاور الخندق حيث أشار إليه انه منذ 115 ق م وهو الخطأ الذي وقع فيه ابن مجاور وقد تحدثت بتوسع عن تلك النقطة ولم يدرك انه تم في العصر الفاطمي وحينما حفروا الفاطميون الخندق حول جدة حفروا خندق عظيم في الوسع و العمق فكان يدور ماء البحر حول البلد و يرجع ما فضل منه إلى البحر و البلد فتصير جدة كأنها شبة جزيرة في وسط لجج البحر بعد أن تملأ السيول والأمطار الصهاريج الموجودة خارج المدينة وقد كانت السيول تأتي من وادي بويب الموجود في الشمال الشرقي من المدينة ووادي قوص ووادي الرغامة شرق جدة
أما في العصر المملوكي في القرن التاسع الهجري
فقد تهالك السور وردم كثير من أجزاء الخندق الذي بناه الفاطميون فعمد قانصوه الغوري أميره حسين الكردي بتجديد السور وتوسعة المدينة القديمة من الناحية الشمالية والجنوبية والغربية جهة البحر كما قام بتوسعة الخندق للقناتين الموجودة في الجهة الجنوبية والجهة الشمالية والمعروفة ببحيرة الأربعين وقام بتجديد الصهاريج القديمة وعمد إلى بناء الحفر والتي اشتهرت بها جدة منذ القدم وسنتطرق إلى أسماء الحفر والصهريج فيما بعد فكانت السيول والأمطار قبل أن تجتاح المدينة تجد أمامها الحفر والصهاريج فتمتلئ ويذهب الباقي إلى جانبي المدينة للخندق الجنوبي والشمالي .
في العصر العثماني
لم تكن هناك أي توسعات للخندق غير الذي عملت في فترة الشريف غالب حينما انتصرت علية ( الدولة السعودية الأولى ) عام 1220 هـ بقيادة الأمير عبدالله بن سعود وجعلوه أميرا على مكة وعلى مينائها البحري جدة تحت الحكم السعودي وهي الفترة الفاصلة للدولة العثمانية مابين العصر العثماني الأول والثاني في الحجاز فقد عمد الشريف غالب إلى ردم الواجهة الغربية البحرية والغربية الجنوبية مع تعديل وردم إضافي في المنطقة البحرية الشمالية الغربية ليتم تعديل قناة جديدة لبحيرة الأربعين مع وجود وزيادة
الصهاريج والحفر الموجودة خارج سور جدة القديم دعونا نلقي نظرة عن الصهاريج والحفر في جدة قديما وأهميتها :
الصهاريج :
الصهاريج في جدة موجودة منذ القدم فقد ذكرها في زيارته لجدة اليعقوبي المتوفي عام 284 هـ وتنقسم الصهاريج إلى قسمين قسم يبنى خارج المدينة لملاكها ويصل الماء إليها من السيول رأساً وأصحابها يعنون بتنظيفها وحراستها ويصرفون على ذلك مبالغ سنوية حتى تكون دائماً صالحه للشرب ، وقد كان سقيا أهل جدة مقصوراً على هذه الصهاريج التي ليس ماؤها نبعاً ولا جارياً بل هو مخزون بعناية وقسم يبنى تحت المنزل بطريقة هندسيه لحفظ مياه الأمطار أو المياه التي يتم جلبها أي كأنها خزان مياه من ضمن أساسيات المنزل وتبنى بالطوب الأحمر والنوره بناءاً محكماً يمكنها من اختزان المياه ومقاومة الجو والدفاع عن كيانها وذلك بقوة بنائها وقد ذكر الصهاريج ابن جبير في تاريخه وسماه الجباب بكسر الجيم . فكان إذا وقع الغيث و امتلأت منه الصهاريج التي بظاهر البلد استفاد منه أهل جدة وكانت العبيد تنقل ماء الصهاريج على الدواب فتقلبه في الصهاريج التي عندهم في الدور . و كذلك صهريج الأخميني وصهريج الأبنوس و صهريج ردرية و صهريج محمد بن القسم و كان يبقى الماء عندهم من العام إلى العام و هم في أكل وشرب و غسل و هزل و جد و هرج و مرج . والرحالة ابن بطوطة ذكرها بنفس ألصيغه بأنها أحواض يجمع فيها الماء ثم يجلب من تلك الجباب لبيعه على الحجاج والمعـروف إن كلمة جبـــــاب أي الصهاريج وهو في الأصل تعبير مغربي أندلسي جلبه رحالتان مغربيان معهما من بلادهما وأثبتاه في رحلتيهما كما ذكر إبراهيم رفعت باشا في رحلته الشهيرة أن في جدة 800 صهريج داخل البلدة وخارجها معده لخزن مياه الأمطار وبيعها في مواسم الحج ، وقد ذكر الشيخ محمد نصيف بأن بعض البيوت يتسرب الماء إلى صهاريجــــها التي تحت منازلهم من الإمطار وهي صحية ونظيفة عكس ما ذكرها عمر رضا كحاله ، وحينما حصن الفرس البلد غاية التحصين خافوا من ضياع الماء فبنوا داخل المدينة 568 صهريجاً في باطن البلد وظاهره ومن أقدم الصهاريج هو صهريج الملك المظفر وقد عمره في مسجد الشافعي وهو موجود إلى وقتنا الحاضر ويشمل مساحه كبيره منه ولكنه يستعمل لأغراض أخرى . ومن الصهاريج الشهيرة صهريج المشاط العائد للشيخ محمد نصيف وأظن أنها من ناحية زوجته أو أرحامه آل المشاط ، والمعلوم أن أكثر الصهاريـــــــج الخارجية يضعوها الأهالي بعيده عن البحر من الناحية الشرقية للمدينة و الشمال الغربي أما عن أسماء الصهاريج التي لدينا واستطعنا أن نحصي البعض منها ما ذكره ابن مجاور صهريج أبو الطبن عامر و المرباني و الحفيرة و النخيلات و صهريج بكر و الحجري و الصرحي و صهريج السدرة و الحوار و الفرحي و صهريج يحيى الشريف و الودية و المبادر و صهريج البيضة و البركة و صهريج أم ضرار و صهريج بركات و صهريج سليمان العطار و الطولاني و العرضاني والإخيمي وصهريج مسجد الأبنوس وصهريج الجامع وصهريج بردريه وصهريج محمد بن القـاسم كما ان هنـــاك صهريـج الدولة العليـا وهو اكبر صهاريــج جدة بنتها الدولة العثمانية وكل مسجون لدى الدولة قد عمل في حفرها لأتساعها وليس لدينا الا تاريخ حفرها وكان سنة 1086هـ على أن من بناها هو نوري أفندي باشا كما ذكرها الأديب والمؤرخ محمد علي مغربي وهذا خطأ في التاريخ لان نوري باشا كان عهده في عام1283 هـ ومشرب البقسماطيه كما ورد في بعض الصكوك والمشرب بمعناه الصهريج والذي بناها احد من عائلة البقسماطي ومشرب صهريج البري وصهريج باعشن والكندره وصهريج العيدروس وصهريج المشاط كما ذكرنا آنفاً وصهاريج حميد الشيخ وكانت في الجهة الشرقية خارج باب مكة وكانت عبارة عن منخفض في الأرض تحده تلال صغيره وفي داخل هذا المنخفض صهاريج كثيرة مبنية صغيرة الفتحات وكان يطلق على المحل كله المنخفض حفرة حميد الشيخ وكانت هناك صهاريج لعائلة آل باناجه وهي في منطقة الشرفية كما يوجد صهريجان لآل غالب بظاهر بندر جدة أما آل نصيف فلهم الصهريج الكبير وهو صهريج الصحيفة وكانت ملاصقه له كثير من الآبار العامرة والدامره كذلك مشرب الدقوقي والصهريج الغربي وكذلك كانت هناك مشارب خارجيه إلى جهة الشرق وصهريج السيد داود طبيله وصهريج العطار وصهريج الافنديات وصهريج سوق الليل على مسمى سوق الليل بمكة وصهريج الدليل وصهريج العاقب وصهريج الفتيلتات وصهريج نغموش وصهريج القطب وصهريج السكري وصهريج الفله وصهريج أبو الهرج وصهريجي ابوبكر باشا والي جدة وصهريج الراجحي وصهريج نجد وكان في الصحيفة شرق شارع غزه وصهريج القصير شرق القشله وأبو درج في ك 2 طريق مكة والنمر في الهنداويه جنوب باب شريف وصهريجي احمد ناس وأبو الطيور جنوي باب شريف وصهريج أبو ركبه في الكندره وصهريج با طويل باعشن شرق مقبرة امنا حواء أما بالنسبة لسعة الصهريج الواحد فانه يعادل مائتان وأربعون ألف صفيحه فإذا اعتبرت إن القربة تعادل أربعة صفائح فيكون سعة الصهريج ستين ألف قربه .
الحفرة:
الحفرة كانت عبارة عن منخفض من الأرض يحفرها بعض التجار وكانت هذه الحفرة تمتلئ بالماء بعد هطول الأمطار على جدة حتى يكون بركه كبيره من الماء ومن أشهر تلك الحفر حفرة حميد الشيخ وحفرة الصحيفة وقد حفرها الشيخ عبدالله نصيف الجد الثاني للشيخ محمد نصيف وحفرة الشيخانيه وحفرة الشرفية حفرها الشيخ حميد الشيخ المالكي في القرن الثالث عشر الهجري وحفرة صقر شمال العماريه في الشمال الشرقي وحفرة بغلف شمال العماريه وكانت هناك كثير من الحفر في منطقة السبيل وهي عبارة عن أسبله خيريه حفرها أهل الخير وكانت هناك حفرة تسمى الرشبه وسميت فيما بعد بالبدباويه في منطقة الحسنانيه ويعتبر موقعها الآن في المطار القديم وحفرة الشيخانيه والمشتملة على آبار وحفرة القائدة وحفرة السيد موسى وحفرة حسين الدين .
يتضح مما سبق أن العصور السابقة استطاعت أن تنجح بجدارة في التصدي والاستفادة من سيول الأمطار التي تجتاح مدينة جدة فهل نعتبر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق